ما أخلاقيات البحث العلمي؟ Scientific Research
لا يخفى على أحدٍ منا أنَّ لكل شيءٍ نقوم به في حياتنا
اليومية مجموعةَ من الضوابط والقوانين التي تُمَيّز بين الصواب والخطأ، والتي يجب
علينا الالتزام بها. كذلك فإن أخلاقيات البحث العلمي هي تلك الضوابط التي يجب على
الباحث أن يلتزم بها، والقوانين التي ينبغي عليه اتباعها أثناء البحث.
أول وأهم هذه القوانين ما يُعرف بالقاعدة الذهبية“ Golden
Rule” «عامِل الناس كما تحب أن يعاملوك .« هذه القاعدة ستجد لها أصلًا
في معظم الأديان والثقافات، وهي أساسية ضمن أخلاقيات البحث، فعندما تَهِمُّ بفعل
ما، يجب عليك أوًلا أن تفكر في تأثر هذا على من حولك، فإذا وجدت لفعلك هذا أثرا
إيجابيًا فافعل، وإلا فلا.
من أوضح الأمثلة على ذلك: الاستشهاد“ Citation”،
فكما لا يمكنك أن تقبل أن يعتمد باحث آخر على أبحاثك دون الإشارة إليك، كذلك ينبغي
عليك إذا ما اعتمدت على بحثٍ ما أن تعترف لصاحبه بالفضل، بأن تشر لذلك في بحثك“ Acknowledgements
& Citation”. كذلك أيضًا إذا قام بالبحث عددٌ من
الباحثين، فلا ينبغي الإشارة لأحد دون غره، تمامًا كما لا تحب أنت أن يتجاهل
الآخرون مجهودك.
لذلك فأخلاقيات البحث العلمي لا تختلف كثرًا عن تلك
التي نتعلمها في بيوتنا، في مدارسنا، أو في أي مكانٍ آخر، فهي نفس القواعد التي
تجعل منا مواطنين صالحين في وطننا الذي نعيش فيه، نعامل الآخرين بطريقة حسنة
،ونحترم حقوقهم ونعترف بفضلهم.
فرابطة البحث العلمي أشبه برابطة الوطن، وينبغي على
الباحث أن يراعي حقوق المواطنة فيها. وهذا هو لُب ما يمكن أن تُوصف به أخلاقيات
البحث العلمي.
ما مدى أهمية وضع أخلاقيات البحث العلمي؟
سنجيب عن هذا السؤال في نقطتين:
•
كما ذكرنا في
مقدمة الكتاب فإن البحث العلمي يهدف في الأساس إلى زيادة المعرفة لدى الباحث،
والتي يمكن لها بعد ذلك أن تُمكِّنه من الاقتراب من الحقيقة، وتساعده لتصحيح
الأخطاء، أو تُجنبه الوقوع فيها من البداية. ولتحقيق ذلك فلا بد للباحث من التزام
الدقة وعدم نشر بحثه بشكل مخالف للطرق العلمية المتعارف عليها لنشر الأبحاث، كما
لا يمكن له أن يقوم بكتابة نتائج لم يصل إليها حقيقةً لأن ذلك سيكون مصدرا للضرر
ومخالفًا للغرض الأساسي للبحث، ألا وهو معرفة الحقيقة وتصحيح الأخطاء، وإظهار ذلك
بأمانةٍ للآخرين، وهذا يستدعي وضع ضوابط ثابتة مُلزمة للباحثين كافة.
•
أما النقطة
الثانية فهي تراكمية المعرفة وأهمية العمل الجماعي في البحث العلمي، إذ لا يمكن
لشخص أن يقوم بإتمام بحثٍ علمي بمفرده، كما أن الأبحاث الجيدة والتي تحمل أفكارا
جديدة لا تكون إلا من خلال استقراءٍ جيد لأفكار من سبقوك، وتعاونٍ بنَّاء مع
باحثين آخرين، تجمعهم نفسُ الأهداف والرؤى، وتحكمُهم مجموعةٌ من القواعد.
لهذين السببين صار لزامًا على المجتمع العلمي أن يضع
ضوابط للتعامل وأخلاقيات تنظم العلاقة فيما بينهم.
جدوى الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي
أوضحنا فيما سبق أنَّ الغاية الأُولى من البحث العلمي
هي زيادة المعرفة الحقيقية، ولا يكون ذلك إلا من خلال أدلةٍ وبراهينَ مبنيةٍ على
أساسٍ علميٍ متين، ويهدف البحث العلمي كذلك إلى الحفاظ على مجموعة من القيم
المجتمعية.
على سبيل المثال، عندما يقوم مجموعة من الباحثين بإجراء
بحثٍ ما، فقد تختلف نسبة مشاركة كل باحث في تأليف ذلك البحث“ Authorship”،
وهذا ما يجب مراعاته عند نشر هذا البحث، كذلك اعتماد الباحث على بحث آخر يوجب عليه
أن يُشر لذلك في بحثه متّبعًا قواعد حقوق النشر“ Copyright
Policies” ما يعي أنه قام بالإشارة“ Citation”
إلى أبحاث غره، فهذا حقّهم، وهو ما لا يُمكن لباحثٍ أن يتجاهله.
ليس ذلك فحسب، بل حتى في مشاركة المعلومات مع الآخرين
أو عند مراجعة أبحاثهم، يجب أيضًا الإشارة إلى أي بحث يقوم الباحث بالاستفادة منه،
أيًا كان نوع الاستفادة. وهذا هو قانون دولة البحث العلمي، والذي يضمن تعاوًنًا
مثمرا للمواطنين فيها.
على سبيل المثال فإن صناعةُ دواءٍ بالاستعانة بنتائج
بحث علمي يحتوي على خطأٍ من الباحث- بقصد أو بدون قصد- قد يُـلْحِقُ الضرَرَ
البالغ بالمرضى، فعدم التزام الباحثين بقواعد السلامة في إجراء تجارب الكيمياء
وغرها يمكن أن يؤدي إلى الضرر الشديد وربما الوفاة.
عواقب عدم الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي
وكما تهدف أخلاقيات البحث العلمي إلى الحفاظ على حياة
الآخرين، وتوفر الأمان لهم، وتزويدهم بالمعلومات على أساسٍ علمي، وتبصرهم بمواضع
الزلل. فإن الإلمام بها وتطبيقها يعود بالنفع على الباحث نفسه، ويقيه من عواقب
كثرة، قد يصل بعضها إلى تدمر مستقبله البحثي كاملًا، إذا ما خالف تلك القواعد.
فعلى سبيل المثال نذكر ما وقع بالفعل لطالب دكتوراه في
جامعة واشنطن، عندما اكتشِف تزويره لبعض النتائج في أربعة أبحاث، منها ثلاثة أبحاث
تم نشرها بالفعل، ومنها ما كان في طريقه للنشر. ما جعله يعترف بأنه قد قام بتغير
بعض النتائج، معللًا ذلك بأنه لم يكن لديه الحافز الكافي أو الصبر اللازم للحصول
على النتائج بعد عدد من التكرارات بهدف الوصول إلى الحقيقة. كل هذا بالطبع لم يكن
مقنعًا للمحققين معه في الجامعة، مما أدى بهم إلى فصله، ومنعه من إكمال دراسته
لدرجة الدكتوراه، بل وكان لفعله هذا عقاب آخر بأثر رجعي فقد سُحبت منه درجة
الماجستر، والتي قد حصل عليها بالفعل قبل سنوات، ليس هذا فحسب، بل تم إلغاء أبحاثه
الأربعة المنشورة ،والتي اعتَرف بتزوير بعض النتائج بها، وامتدت العقوبة كذلك إلى
حرمانه من حق التقدم للحصول على التمويل الذي تقدمه المؤسسة الوطنية للعلوم
بالولايات المتحدة المعروفة اختصارًا“ NSF” والتي تقوم
بتمويل الأبحاث العلمية، وذلك لمدة ثلاث سنوات. ما يعي أن مستقبله في البحث العلمي
قد دُمّر كُليةً، وذلك لمخالفته - عن عمد- قواعد وأخلاقيات البحث العلمي.
فعلى الباحث أن يعي جيدًا أن مخالفة أخلاقيات البحث
العلمي سيلحق به أضرارا كثرة، خاصةً إذا كان ذلك منه عن عمد.
يمكن تلخيص ما سبق في خمس نقاط:
• البحث العلمي أداةً فعالةً لإحداث تقدم علمي“ Scientific
Progress” حقيقي يشهده المجتمع العلمي. وليس لذلك سبيلٌ إلا إظهار الحقائق،
وتحري الدقة فيما يتم نشره من أبحاث وحقائق علمية.
• بعض الأبحاث يكون لها تأثر مباشر على المجتمع، على حياة
الناس أو على البيئة المحيطة بهم، لذلك يكون تحقيق ما سبق مرهونا بدقة هذه
الأبحاث.
• الباحثون ينالون نصيبًا كبرًا من الاحترام والتقدير من
المجتمع لما يقدمونه من فوائد جمّة ونفع، بل ويعتبرهم الناس قدوًةً ومثلًا لما لهم
من عظيم الأثر. هذا كله يُحتم على الباحث أن يحسن معاملة الآخرين، وأن يكون
مواطنًا صالحًا في وطن العلم، كما ذكرنا آنفًا.
• السمعة العلمية الحسنة من أهم ما يميز الباحث في مسرته
البحثية، ويرفع من درجته الوظيفية، فبمجرد أن يتكون لدى مجموعة من العلماء وكبار
الباحثين سمعة سيئة عن باحث ما من خلال عدم تحرّيه الدقة فيما يقوم بنشره من
أبحاث، أو كون أبحاثه لا تحمل قيمةً مضافةً إلى أبحاث من سبقوه، يكون لذلك أثر سلي
على كل أبحاثه، ما يقف عَثرة أمام تقدمه الوظيفي في مجال البحث العلمي.
• تحرّي الدقة فيما يقوم الباحث بنشره هو سبيله الوحيد للوصول
لتلك المكانة بين العلماء والباحثين، ويكون لنتاجه البحثي قدرٌ من الثقة والحفاوة
والتقدير.
المصادر
1.
أشرف حسين محروس، قاعة
بحث: دراسة تطبيقية، كلية الآداب - جامعة المنوفية، شبين الكوم، 2008.
2.
أحمد شلبي، كيف تكتب
بحثاً أو رسالة: دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة، مكتبة
النهضة المصرية، القاهرة، 1976.
3.
عبد الرحمن بدوي، مناهج
البحث العلمي، وكالة محاضرات في مناهج البحث والمكتبات، وكالة المطبوعات، الكويت،
1977.
4.
دليل فراسكاتي: الممارسة
القياسية المقترحة للدراسات الاستقصائية للبحث والتنمية التجريبية، الطبعةالسادسة).
27 مايو 2012 نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
5.
الحيزان،محمد عبدالعزيز.البحوث
الاعلامية.الرياض،1431
6.
ج. سكوت أرمسترونغ
وسولبرغ الأقران (1968). "في تفسير عامل تحليل". نشرة العلوم النفسية
70: 361-364
7.
تروخم، و.م.ك. مجموعة
معرفة أساليب البحث (2006)
8.
كريسويل، ج.و.
(2008). البحث التربوي: التخطيط والإدارة، تقييم والبحث الكمي والنوعي (3). أبر سادل
ريفر، نيو جيرسي: برنتس هول. 2008 ISBN 0-13-613550-1 (صفحات 8-9)
تعليقات
إرسال تعليق