قبل بدء الكتابة في البحوث العلمية Scientific Research
لقد انتهينا من مرحلة تحليل البيانات، والخروج
بالاستنتاجات، وها نحن ذا في مرحلة كتابة النتائج، فيجب عليك عزيزي الباحث أن
تعي ثلاثة أمور:
·
إذا لم تكتب ما
توصلت إليه من نتائج، فأنت لم تفعل شيئًا.
·
إذا كتبت ما توصلت
إليه، ولم يقرأه أحد، فأنت أيضًا لم تفعل شيئًا.
·
إذا كتبت ما توصلت
إليه، وتمت قراءته، ولكن أحدًا لم يفهم شيئا مما كتبت، فما زلت لم تفعل شيئًا.
الهدف من وراء البحث العلمي هو التأثر في المحيط
العلمي، لا مجرد الفائدة الشخصية بزيادة عدد المنشورات العلمية أو ما شابه، لذا
يجب عليك أن تكتب ما فعلت، وأن تتم قراءته، ويكون مفهوًمًا لمن يقرأه.
بناءً على ما ذكرنا سابقًا، إذا كانت لدينا نقطة بحثية
كبرة، وفي طريق البحث حول تلك النقطة، تكوّنت لدينا مجموعة من التساؤلات، وتمثلت
أمامنا النتائج التي تجيب على تلك التساؤلات، وكانت تكفي للنشر في ورقة علمية أو
أكثر، يجدر هنا الاهتمام بموضوع الكتابة العلمية للورقة قبل النشر، فلا ينبغي في
تلك الحالة النشر السريع لكل ما توصلنا إليه، والذي يسمى) least publishable
unit(، حيث يصبح النشر سيئ الإخراج، ولن يتم قبوله في المجلات العلمية
والمؤتمرات، ومن الممكن أن يشتهر عن الباحث ضعف الكتابة العلمية. فكيف نتجنب كل
تلك الأمور؟ دعنا نرى ذلك فيما سيأتي.
بدايةً عليك أن تعرف أن عملية نشر ورقة علمية هي عملية
شبيهة بالتسويق لمنتج معين، وإقناع المستهلكين بمدى أهمية وقيمة هذا المنتج، وليس
المقصود هنا التسويق الذي يحدث بعد نشر الورقة العلمية عن طريق وضع الباحث
منشوراته العلمية على موقع إلكتروني خاص به، أو نشر البحث بين معارفه من المهتمين
بالأمر، ولكن المقصود هنا هو التسويق الحادث أثناء كتابة البحث، والأساليب المتبعة
في الكتابة لجذب الانتباه ،ويتأتى ذلك باتباع أمرين هما:
• إقناع الآخرين بقراءة هذا البحث.
• جذب انتباه المهتمين إلى فكرة البحث، والتأثر فيهم كما لو
أنها جرثومة تصيب العقل وتلازمه ولا تفارقه ،ومن هنا يقتنعون بأهمية الفكرة، وأنها
هي ما كانوا يبحثون عنه بالفعل، ومن هنا يقبلون على البحث بغرض الاستفادة من
المحتوى.
واعلم أن عملية الإقناع هذه ليست بالأمر السهل، لأن ما
تنشره يجب أن يلقى قبوًلا عند نوعين من الناس:
النوع الأول: من خارج التخصص
الدقيق للباحث، فمثلًا: إذا كان الباحث متخصص في هندسة الحاسبات ويوجد بعض
التخصصات الدقيقة في هندسة الحاسبات مثل: هندسة البرمجيات، وهندسة المعالجات
الدقيقة والأنظمة المضمنة، فربما يُنشر البحث تحت تخصص المعالجات الدقيقة، ولكن
متخصصًا في هندسة البرمجيات يريد أن يقرأه ،فيجب أن يلقى قبوًلا وفهمًا عنده لربما
يستفيد منه في بعض الأمور.
النوع الثاني: المتخصصون في نفس
التخصص الدقيق للباحث، مثل: أحد كبار العلماء، فيجب أن يَلقى ما ينشره الباحث
قبوًلا حين مطالعة البحث، ويكون ذا قيمة علمية.
فمثلًا لا يقوم الباحث بشرح مبادئ التخصص من البداية
أثناء عرضه لفكرته البحثية فيلقى نفوًرًا عند العالِم المتخصص، وعلى العكس لا يقوم
بالتوغل في الأمور العميقة مباشرة فينفر غر المتخصص، ولذا يجب موازنة الأمور من
أجل إسعاد النوعين، وجعلهم يتعلقون بالفكرة مثل الجرثومة كما سبق وذكرنا. فكيف
نحقق ذلك؟ وكيف نقوم بالتسويق لما نفعل؟ نجيب عن هذا السؤال فيما يلي!
سمات الكتابة العلمية
من أجل تحقيق الإقناع المطلوب، والتسويق للبحث بطريقة
سليمة، يجب - وبشكل حتمي - أن تتميز الكتابة العلمية بالصفات الآتية على الترتيب:
أوًلا، كتابة دقيقة
يجب أن تتميز الكتابة العلمية بالدقة، بل بدرجة عالية
من الدقة، لأن المكتوب في البحث هو كتابة علمية وليس كتابة أدبية من شِعر وخلافه،
فمثلًا في شرحنا لخطوات عمل تجربة معينة، لا يصح أن نكتب مثلًا: «لقد نفّذنا هذه
التجربة على عشرة برامج فقط، ولكن نكتب جميع التفاصيل بكل دقة، فتصبح الصيغة
كالتالي: «لقد نفذنا هذه التجربة على عشرة برامج»، مع ذكرهم وذكر صفات كل برنامج،
«وحصلنا من كل برنامج على النتائج التالية ،وأخذنا متوسط هذه النتائج لنصل
للاستنتاج التالي»، وهكذا. يجب أن يكون الكلام غاية في الدقة ليفهم بالشكل
المطلوب. وبمعى آخر، عند الانتهاء من البحث يجب أن
تقرأه أنت أولًا، ولكن بوجهة نظر شخص عادي لا كاتب البحث، فإذا تبادرت بعض
التساؤلات إلى ذهنك أثناء القراءة، فأنت لم تصل للدقة المطلوبة بعد. واعلم أن
قراءة البحث قبل النشر من الأمور الهامة جدًا، وفي نفس الوقت من العمليات الصعبة
والمملة على الباحث، فتخيل أثناء كتابتك لبريد إلكتروني لأحد الأشخاص، وأثناء
مراجعتك للبريد قبل إرساله تجد الأمر غاية في الملل، وتمر فوق السطور مرور الكرام،
فما بالك ببحث يحوي كلامًا علميا، وتتراوح صفحاته بين عشرة إلى ثلاثين صفحة، لذا
فهذا الأمر حقًا من الأمور الصعبة، والتي تحتاج إلى تمرين، لذلك تجد الكتابة
العلمية لكثر من الباحثين سيئة.
ثانيا، كتابة واضحة
يجب
أن تتميز الكتابة العلمية بالوضوح الشديد الخالي من التعقيد حتى يسهل الفهم لغر
المتخصصين، ولا يقتصر فهم موضوع البحث على المتخصصين فقط، فبعد أن تنتهي من
الكتابة وتتأكد من دقتها، يجب أن تراجع ما كتبت للتأكد من وضوح الكلام، وعدم
تعذُّر فهمه على القراء.
ثالثا، كتابة مختصرة
وهي
من الأمور الصعبة جدًا أثناء الكتابة، فمن السهل جدًا كتابة بحث في خمسين صفحة،
ولكن على النقيض من الصعب جدًا كتابة بحث من عشر صفحات يحوي نفس الموضوع، مع
المحافظة على الدقة والوضوح.
وبناءً على ما سبق وأثناء الكتابة العلمية يجب الحرص كل
الحرص على الثلاثة أمور السابق ذكرهم، وهم: الدقة والوضوح والاختصار، وبنفس
الترتيب المذكور، لأنه إن لم تتحقق الدقة مثلًا فلن يصبح وضوح الكلام واختصاره ذا
قيمة، لأن المنشود من البحث لن يتم فهمه.
مفكرة البحث... رفيق ودليل
ذكرنا سابقًا أن الباحث يجب أن يبدأ في الكتابة منذ
بداية عمله في البحث، بغض النظر عن أن ما يكتبه لا يأخذ شكل ورقة بحثية تحوي تجارب
ناجحة وأخرى فاشلة، وأفكار تم تنفيذها وأخرى لم تنفذ، ولكن الأهم أن يكون لديه عدد
كبر من الصفحات المكتوبة، وهذه من أولى النصائح التي ينصح بها الباحث المقبل على
البحث العلمي، بأن يمتلك مفكرة للبحث أو مجلة بحثية لا يقرأها غره، وللباحث حرية
الاختيار بين أن تكون هذه المجلة ورقية أو على الحاسب الآلي، وإن كان الأفضل أن
تكون على الحاسب الآلي مباشرة، حتى يسهل عليه بعد ذلك الاقتباس منها وأخذ
المعلومات، وللباحث هنا مطلق الحرية في تسجيل كل ما يريد من أفكار ومعلومات، وما
توصل إليه أثناء الاطلاع على بحث آخر، والذي سيستخرج منها فيما بعد البحث الذي
سينشره، ومن الممكن أيضا أن تنبثق له من هذه المجلة أفكار أخرى لأبحاث جديدة سرجع
إليها في وقت لاحق، ولكي يتفادى نسيان تلك الأفكار يجب عليه تسجيلها حتى يسهل
الرجوع إليها وتذكرها، من هنا نرى أهمية مجلة أو مفكرة البحث، فيجب أن يعتاد
الباحث على الكتابة حتى وإن كانت نصف صفحة يوميًا في هذه المفكرة، فهذا سيساعد
الباحث على التركيز والبحث من أجل إيجاد أشياء ذات قيمة كل يوم لكتابتها، سواء
كانت أفكار، معلومات يجب دراستها، أو رسم توضيحي يجب تحليل بياناته ..إلخ. من هنا
تعرفنا على أهمية المفكرة البحثية، وأنها أسهل بكثر في استخراج المعلومات من
الكتابة على شاشة أو صفحة بيضاء لا تحوي شيئًا، فمنها يسهل استرجاع النتائج التي توصلنا
إليها، والأدوات التي اعتمدنا عليها في عمل البحث، والأفكار التي درسناها،
فالاعتماد على الذاكرة هنا سيكون أمرا غاية في الصعوبة ،لأن الوضع هاهنا ليس كتابة
لمذكرات شخصية يسهل تذكرها، وإنما كتابة علمية، هدفها أن يفهم القراء ما قام به
الباحث ومحاولة الاستفادة من ذلك، والوصول لنفس النتائج، لهذا السبب يجب أن يكون
الكلام دقيقًا، وهذا لن يتأتى بالاعتماد على الذاكرة وحسب، وخصوصًا إذا كان الباحث
يعمل في بحثين في نفس الوقت، أو يعمل في البحث مع امتهانه لمهنة أخرى كالتدريس،
ولهذه الأسباب جمعاء يجب على كل باحث أن يصنع لنفسه ما يسمى بالمفكرة أو المجلة
البحثية الخاصة به.
المصادر
1.
أشرف حسين محروس، قاعة
بحث: دراسة تطبيقية، كلية الآداب - جامعة المنوفية، شبين الكوم، 2008.
2.
أحمد شلبي، كيف تكتب
بحثاً أو رسالة: دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة، مكتبة
النهضة المصرية، القاهرة، 1976.
3.
عبد الرحمن بدوي، مناهج
البحث العلمي، وكالة محاضرات في مناهج البحث والمكتبات، وكالة المطبوعات، الكويت،
1977.
4.
دليل فراسكاتي: الممارسة
القياسية المقترحة للدراسات الاستقصائية للبحث والتنمية التجريبية، الطبعةالسادسة).
27 مايو 2012 نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
5.
الحيزان،محمد عبدالعزيز.البحوث
الاعلامية.الرياض،1431
6.
ج. سكوت أرمسترونغ
وسولبرغ الأقران (1968). "في تفسير عامل تحليل". نشرة العلوم النفسية
70: 361-364
7.
تروخم، و.م.ك. مجموعة
معرفة أساليب البحث (2006)
8.
كريسويل، ج.و.
(2008). البحث التربوي: التخطيط والإدارة، تقييم والبحث الكمي والنوعي (3). أبر سادل
ريفر، نيو جيرسي: برنتس هول. 2008 ISBN 0-13-613550-1 (صفحات 8-9)
تعليقات
إرسال تعليق