جوهر وأثر البحث العلمي Scientific Research
كان البشر – وما زالوا - شغوفين بمتابعة ما يجري حولهم،
وقد أدى فضولهم الدائم ورغبتهم الملحة في فهم كل ما يدور في عالمهم إلى طرح الكثر
والكثر من الأسئلة، بالإضافة إلى عرض الكثر من الطرق والاستراتيجيات في سبيل
الوصول إلى إجابات.
ومنذ أقدم العصور القديمة – والذي يسميه البعض بالعصر
الحجري - كان هذا الشغف متمثلًا في التجريب، ثم تطور الأمر حتى وصل إلى ما يسمى
بالأسلوب العلمي، والذي اختلف تعريفه عبر العصور، حتى وصل إلى عصرنا الحالي
مكتسيًا بمجموعة من الأخلاقيات والقوانين الثابتة التي ينبغي لكل طالب علم وباحث
الإلمام بها.
وفي هذه المحطة نتعرف على المراحل الفطرية للبحث العلمي
التي تبدأ برؤية ظاهرة معينة تجعلنا نتساءل ونبحث عن الإجابة من خلال الرصد وجمع
المعلومات، ومنها سنتطرق أيضًا إلى جوهر البحث العلمي وأثره في حياتنا .
المراحل الفطرية للبحث العلمي
لنأخذ هنا مثالًا تقريبيًا نفهم من خلاله كيف بدأ
القدماء. تخيل أنك لم تكن على علم مسبق بظاهرة البرق ولم تره من قبل، وبينما كنت
تراقب السماء في ليلة ما، رأيت البرق يلتمع بين السحب للمرة الأولى، فما حدث معك
في هذه اللحظة تحديدًا يمثل أولى مراحل البحث العلمي:
أوًلا: رؤية الظاهرة: بعد رؤية البرق
ستنتابك الدهشة للحظات ثم الفضول، وستبدأ على الفور في طرح العديد من الأسئلة.
ثانيًا: التساؤل: والتي تعد واحدة
من أهم مراحل البحث العلمي، وذلك لأنه كلما كانت هذه الأسئلة دقيقة ومُحكمة، كلما
كان احتمال فهم ما يحدث أمامك أكبر.
ثالثًا: الرصد والمراقبة .
رابعًا: تجميع المكونات اللازمة من الطبيعة المحيطة بنا، بغية
استخدامها في عمل التجارب المختلفة، وكلما كانت هذه المكونات التي تم تجميعها
قريبة من الظاهرة المراد رصدها، كلما كان احتمال الوصول إلى نتائج مرضية أكبر.
وفي النهاية، إما أن تحصل على إجابات احتمالية، أو أن
تتمكن من إثبات ما تود إثباته، محققًا بذلك الوصول إلى إجابة قاطعة.
والآن لعلك اندهشت من بساطة تلك المراحل ومنطقيتها. فهل
في البشر ما يميزهم ويدفعهم لكل هذا؟
جوهر البحث العلمي
نعم. فجوهر ذلك يتمثل في نفوسنا البشرية المجبولة على
الفضول، والتي دائمًا ما تحركها تلك العاطفة المتعطشة أبدًا إلى المعرفة، ودائمًا
ما تلازمها تلك الرغبة الملحة في التحسين من نفسها ومن الآخرين، بالإضافة إلى تأثر
ذلك الاعتقاد الراسخ في نفوس الكثرين بأننا لم نُخلق عبثًا، وبأن لوجودنا حكمة
تقتضي إصلاح الأرض وتعمرها، متى توفرت الظروف الملائمة لذلك .
إنها طبيعتنا، طبيعتنا التي ستظل مُتيمة بكل ما هو جديد
ومبتكر مدى الحياة.
يمدها كل من التفكر، والسعي نحو التجديد، والتعطش
المستمر لفهم وإدراك كل ما يحيط بنا، بالوقود اللازم لإكمال مسرتها في سبيل البحث
والمعرفة، وهنا تحديدًا يكمن جوهر البحث العلمي.
هذا الجوهر له أثره ومصدره الفردي كما له أثره ومصدره
المجتمعي والذي به بى البشر دولهم وحضاراتهم المختلفة.
أثر البحث العلمي في حياتنا
للبحث العلمي آثار ونتائج نلخصها كالآتي:
•
بناء مجتمعات
متينة وقوية فكرًيًا واقتصاديا.
•
ضمان دوام الأمم
واستقلالها عن التبعية.
•
بناء الأرض
وإعمارها.
•
توعية الناس
وإعانتهم على نيل معيشة أفضل .
•
رصد وتوقع
المستقبل.
•
الإبداع
والابتكار.
ولعل من آثار البحث العلمي التي نراها جلية في العصر
الحديث دعم التعاون والاتحاد بين البشرية جمعاء لا سيما في سبيل تحقيق ما يفيدهم.
فأنت الآن وغرك تستخدمون الإنترنت بشكل يومي، ولكن هل تعلم أن وصوله إلى ما هو
عليه تسبب فيه اتحاد ومشاركة باحثين من أكثر من 100 دولة عملوا سويا في أحد المراكز البحثية الموجودة حاليًا في سويسرا –
مختبر سرن – ليخرج لنا هذا الإنجاز العظيم ويستفيد بسببه العالم أجمع. فالتعاون
بين مختلف المجالات والخلفيات – دون شك – هام وضروري لتطوير البحث العلمي ودفعه
نحو الأمام.
وللبحث العلمي تأثرا قيّمًا على عموم أمورنا الحياتية،
فناتج العمل به له أثر كبر في تحسين جودة المعيشة، ويبدو ذلك ظاهرًا في العديد من
الأمور المختلفة حولنا كمعدل الوفيات على سبيل المثال، حيث نجد أنه بات في وقتنا
الحالي أقل بكثر مما سبق، بسبب التطور الكبر في الرعاية الصحية، وكذلك لا ننسى
أيضًا التطور الهائل في كل من: التكنولوجيا، التجارة والاقتصاد، الفنون والإعلام.
كل ما سبق يؤكد كذلك أن البحث العلمي ليس مقتصرًا على
تخصص ما بعينه، بل يمتد ليشمل جميع التخصصات بأنواعها، ويظهر ذلك جليًا في التعاون
الحاصل ما بين العديد من المجالات المختلفة، مثل: الطب والهندسة، الهندسة وريادة
الأعمال، العلوم والطب، علم النفس والسياسة، والفنون والمحاكاة البيولوجية.
والآن نحن على مشارف المحطة الثانية لنتعرف على مقتطفات
من التاريخ عن الحضارات المختلفة ومركزية البحث العلمي في قيامها ونشأتها.
المصادر
1.
أشرف حسين محروس، قاعة
بحث: دراسة تطبيقية، كلية الآداب - جامعة المنوفية، شبين الكوم، 2008.
2.
أحمد شلبي، كيف تكتب
بحثاً أو رسالة: دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة، مكتبة
النهضة المصرية، القاهرة، 1976.
3.
عبد الرحمن بدوي، مناهج
البحث العلمي، وكالة محاضرات في مناهج البحث والمكتبات، وكالة المطبوعات، الكويت،
1977.
4.
دليل فراسكاتي: الممارسة
القياسية المقترحة للدراسات الاستقصائية للبحث والتنمية التجريبية، الطبعةالسادسة).
27 مايو 2012 نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
5.
الحيزان،محمد عبدالعزيز.البحوث
الاعلامية.الرياض،1431
6.
ج. سكوت أرمسترونغ
وسولبرغ الأقران (1968). "في تفسير عامل تحليل". نشرة العلوم النفسية
70: 361-364
7.
تروخم، و.م.ك. مجموعة
معرفة أساليب البحث (2006(
8.
كريسويل، ج.و.
(2008). البحث التربوي: التخطيط والإدارة، تقييم والبحث الكمي والنوعي (3). أبر سادل
ريفر، نيو جيرسي: برنتس هول. 2008 ISBN 0-13-613550-1 (صفحات 8-9)
تعليقات
إرسال تعليق