التقدم في مجال البحث في فرط ضغط الدم hypertension
لقد كان موضوع ضغط الدم بشكل عام، وارتفاع ضغط الدم
بشكل خاص، محور عدد كبير من الأبحاث الطبية منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد
استفدنا بشكل جيد من الدراسات السكانية الضخمة التي أوضحت لنا الكثير حول الأشخاص
الأكثر عرضة الخطر الإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية. وقد وجهت تلك
الأبحاث الانتباه إلى حقيقة أن ارتفاع ضغط الدم هو أكثر حالة مرضية مزمنة منتشرة
على هذا الكوكب.
ونظرا للحقيقة التي تقول إن الأشخاص الذين يعتبر ضغط
الدم لديهم متوسطة تماما بالنسبة لأعمارهم، هم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم
من الأشخاص الذين يملكون ضغط دم أقل من المتوسط، فإنه إذا كان علينا أن نفعل أي
شيء للحد من عدد الأشخاص الذين يصابون بأمراض القلب أو الدماغ أو الكلى، ينبغي أن
نبذل كل ما بوسعنا من أجل الوصول إلى انخفاض في متوسط ضغط الدم لدى مجموع السكان.
وبالتالي يعتبر ضغط الدم قضية مهمة من قضايا الصحة العامة التي يمكن حلها عن طريق
إجراءات الصحة العامة. تتوفر مجموعة من الأدلة القوية على أنه يمكن تخفيض متوسط
ضغط الدم عند السكان بواسطة خطط الصحة العامة. وإذا كان من الممكن خفض متوسط
استهلاك الملح بين السكان، فإن متوسط ضغط الدم سينخفض. والخبر السار هو أن انخفاضا
حدث في المملكة المتحدة بنسبة 10% في متوسط تناول الملح على مدى العقد الماضي.
وبالمثل، إذا أمكننا أن ننجح في تحقيق بعض التراجع في
الموجة المتصاعدة من السمنة، سيستفيد جميع السكان. كما ينبغي تحقيق بعض التراجع في
ما يخص ارتفاع استهلاك المشروبات الممنوعة وقلة النشاط البدني. وكما أوضحنا من
قبل، أثبتت دراسة «داش» - المناهج الغذائية للوقاية من الإصابة بفرط ضغط الدم DASH
- أن استراتيجيات النظام الغذائي ونمط الحياة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض ضغط الدم
ولو على المدى القصير. وما زلنا في حاجة إلى دراسات أكبر وأطول مثل دراسة DASH
للبحث في هذه المسألة.
تشير التوقعات إلى أن متوسط ضغط الدم عند السكان في
العالم النامي سيرتفع مع زيادة التحضر، إضافة إلى اعتماد النمط الغربي في الحياة،
واتباع الأنظمة الغذائية التي تحتوي على كميات كبيرة من الدهون والملح، وانخفاض
استهلاك المنتجات النباتية. وقد أصبح ارتفاع ضغط الدم مشكلة متزايدة في أفريقيا
وآسيا، لذا يجب على سلطات الصحة العامة في هذه البلدان النامية أن تتجنب الأخطاء
التي وقعنا فيها في الغرب.
وعلى صعيد الصحة العامة، فمن غير المرجح أن يتم اكتشاف
أي عامل جديد غير متوقع من العوامل البيئية أو نمط الحياة كسبب المتوسط ضغط الدم
بين السكان أو كسبب لحدوث ارتفاع ضغط الدم. ولقد تبين من خلال الدراسة السكانية
«الدراسة العالمية» على العناصر الغذائية الكبرى والصغرى وضغط الدم INTERMAP،
التي أجريت في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والصين واليابان، أن كل
الاختلافات تقريبا في ضغط الدم التي تظهر بين السكان عند المقارنة بينهم، يمكن
تفسيرها من خلال مختلف العوامل الغذائية ونمط الحياة. ولقد توصل العلم إلى معرفة
سبب ارتفاع ضغط الدم بين السكان، ونأمل في أن ينخفض في يوم من الأيام.
وإذا تطرقنا إلى ارتفاع ضغط الدم على المستوى
الإكلينيكي، سنجد أيضا أننا قد حصلنا على معلومات كثيرة ومهمة من خلال العديد من
التجارب التي أجريت بشكل جيد على علاج ارتفاع ضغط الدم. ويكاد يكون من المؤكد أن
تجربة دراسة فرط ضغط الدم عند الطاعنين في السن HYVET،
ستكون التجربة الأخيرة التي تتم فيها المقارنة بين العلاج النشط الفعال، والعلاج
الوهمي غير الفعال. ونعلم حاليا من هم المرضى الذين يستفيدون من انخفاض ضغط الدم،
ومن هم المرضى الذين لا يستفيدون من ذلك. وربما تكون المجموعة الوحيدة التي نحتاج
إلى مزيد من المعلومات عنها هي الأطفال وصغار البالغين. ومن غير المرجح أن يتم
إجراء أي تجربة طويلة الأمد حول هذا الموضوع، حيث إن الخطر من عمر خمس سنوات إلى
عشر سنوات ضئيل جدة إلى حد أن الدراسات قد تحتاج إلى وجود عشرات الآلاف من المرضى
من أجل إعطائهم الأدوية الخافضة للضغط أو الأدوية الوهمية لمدة عشر سنوات أو أكثر،
ولذلك فإن التكلفة ستكون باهظة.
حتى الآن توجد تجربتان عن علاج ارتفاع ضغط الدم على
المدى القصير. وتوجد حالة يطلق عليها «مقدمات فرط ضغط الدم»، وهي الحالة التي يكون
فيها مستوى ضغط الدم عند الشخص في الجزء الأعلى من المعدل الطبيعي. ويوجد احتمال
بنسبة 50% في أن يصاب هؤلاء الأشخاص بارتفاع ضغط الدم الفعلي في السنوات المقبلة
من عمرهم خلال فترة تتراوح بين خمس سنوات وعشر سنوات، وعلى المدى الطويل، يوجد
أيضا احتمال أكبر بأن يصاب هؤلاء الأشخاص بأمراض القلب والسكتات الدماغية. ولا
يمكن إنكار الفائدة التي يمكن الحصول عليها من إعطاء العقاقير الخافضة لضغط الدم
للأشخاص الذين يعانون من مقدمات ارتفاع ضغط الدم، ولكن يبدو أنه من غير الممكن أن
يتم القيام بتمويل وإدارة التجارب طويلة الأجل.
وبناء على الملاحظة التي تفيد بأن الأشخاص المصابين
بضعف وظائف الكلى هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب مما قد يتوقع المرء بالنظر
إلى عوامل الخطر المعروفة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، يفكر الأطباء في
ما إذا كانت توجد آليات غير معروفة حتى الآن عن أمراض القلب والأوعية الدموية التي
تصيب هؤلاء المرضى. وبالتالي توجد حاجة إلى المزيد من البحث في آليات تلف الأوعية
الدموية.
يوجد اهتمام متزايد في الوقت الحالي بشأن دور ضغط الدم
المركزي. ويختلف ضغط الدم الذي يتم قياسه في العيادات الطبية في الجزء العلوي من
الذراع، عن ضغط الدم المركزي الذي يمثل ضغط الدم القريب من الدماغ والقلب
والكليتين. ويبدو أن ضغط الدم المركزي هو الأهم من الناحية العملية. قريبا سيكون
من الممكن قياس ضغط الدم المركزي من خلال الممارسة الإكلينيكية الروتينية، إذ يوجد
حاليا عدد كبير من البحوث التي تجرى في هذا المجال. وربما يصبح في يوم من الأيام
ضغط الدم المركزي هو الضغط الذي يتم قياسه وعلاجه.
لا بد من التساؤل عما إذا كنا بحاجة إلى المزيد من
العقاقير الجديدة الخافضة لضغط الدم، حيث توجد لدينا الآن خيارات ممتازة من
الأدوية التي تخفض ضغط الدم لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى القليل من الآثار
الجانبية. هل نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك؟ والجواب في رأي هذا الكاتب هو «ربما لا».
وبشكل عام، من المعروف حاليا كيف يتم التحكم في ضغط الدم باستخدام العلاجات
التوليفية A+ C + D التي تم توضيحها
من قبل ( راجع صفحة 122 ). فهل ستكون الفئة الجديدة من الأدوية الخافضة للضغط
لديها أي ميزة على ما لدينا بالفعل؟ عموما ينبغي تشجيع الابتكار الدوائي، ولكن هل
ستتجه الأولويات إلى أمور أخرى في فترات الركود المالي العالمي ؟
هناك مجال واحد نحتاج فيه إلى المزيد من المعلومات حول
كيفية التعامل مع الأقلية من المرضى الذين يعانون من ضغط الدم المقاوم الذي لا
يمكن السيطرة عليه على الرغم من استخدام العلاجات التوليفية A+
C
+ D . ما هي أفضل وسيلة لعلاج هؤلاء المرضى؟ من الواضح أننا بحاجة إلى
إجراء إحدى التجارب التي تساعدنا في معرفة العقاقير التي يمكن إضافتها كصف رابع من
الأدوية. قد يظهر دواء جديد تماما، غير متواجد حاليا، أو حتى لم يتم البدء في
تصنيعه.
إن أحد المجالات المثيرة جدا للاهتمام وهو استخدام بتر
العصب الكلوي لخفض ضغط الدم. وفي خمسينيات القرن الماضي،
عندما كانت العقاقير الخافضة لضغط الدم غير متاحة أو لم
يكن من الممكن تحملها من قبل المرضى، تم علاج بعض المرضى عن طريق قطع العصب
السمبثاوي الصدري القطني.
كانت تلك عملية جراحية كبرى لقطع العقد العصبية
السمبثاوية على كل جانب من جوانب العمود الفقري. وقد ساعد ذلك على انخفاض ضغط الدم
لكنه لم يكن مجديا بشكل شامل. مع ظهور الأدوية الخافضة لضغط الدم الفعالة
والمقبولة، لم تعد هناك حاجة القطع العصب السمبثاوي الصدري القطني. وفي الآونة
الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد بشأن عرقلة الأعصاب السمبثاوية التي تغذي
الكليتين. ويمكن أن يتحقق ذلك الآن من دون عملية جراحية كبرى عن طريق إدخال أنبوب
دقيق في شريان الفخذ ثم دفع الأنبوب إلى داخل الشرايين التي تغذي الكلى. وفي هذا
المكان يتم إطلاق نبضة من الموجات فوق الصوتية الحادة / الشديدة داخل الشريان
الكلوي من أجل بتر (تدمير) أعصاب الكلى في الجزء الخارجي من الشريان. وقد أظهرت
البحوث الأولية حدوث انخفاض مثير في ضغط الدم على المدى القصير. وفي السنوات العشر
المقبلة، سيكون دور بتر العصب الكلوي في علاج ارتفاع ضغط الدم المقاوم هو محور
الكثير من الأبحاث.
توجد وجهة نظر تقول إن العصر الذهبي للبحث في ارتفاع
ضغط الدم يقترب من نهايته. فنحن نعلم الآن لماذا يحدث ارتفاع ضغط الدم عند الناس،
كما نعرف من هم الأشخاص الذين ينبغي أن يتم علاجهم من ارتفاع ضغط الدم، ونعرف أيضا
كيفية علاج ارتفاع ضغط الدم. والسؤال الكبير الآن هو كيف يمكن الوقاية من الإصابة
بارتفاع ضغط الدم من الأساس، وكيف يمكن الكشف عنه عندما يحدث، وكيف يمكن تقديم
العلاج الفعال إلى مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. هذا هو التحدي
الذي علينا مواجهته في الوقت الحالي.
المصادر
·
ضغط الدم, أد-دي-جي-بيفرز
(2012) ,المجلة
العربية – الرياض – السعودية.
·
Grim CE, Grim CM (March 2016).
"Auscultatory BP: still the gold standard". Journal of the American
Society of Hypertension. 10 (3): 191–3. doi:10.1016/j.jash.2016.01.004. PMID
26839183.
تعليقات
إرسال تعليق