10 أشياء يجب عليك معرفتها عن البحث العلمي Scientific Research
في محطتنا الثالثة يهمنا أن تتعرف على عشر نقاط عسى أن
تنفعك وتتأملها أثناء رحلتك مع البحث العلمي. فنحن نملك مهارة البحث العلمي منذ
الصغر بل ونمارسها تلقائيًا ونستخدمها على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك فإنه يمكن
تطويرها والعمل على إثرائها وصقلها لأن المنافسة شرسة جدًا في مجال البحث العلمي.
ولكي تكون باحثًا متميزًا عليك أن تنمي قدراتك الإبداعية وأن تكون متعاوًنًا
وتتمتع بأخلاقيات عالية. فنحن كأمة عربية ما زلنا موجودين على خريطة البحث العلمي،
لدينا بالفعل الكثر من الموارد والإمكانيات الجيدة وثروة بشرية هائلة تحتاج إلى
الاستغلال، لكن ما ينقصنا هو التوجيه الصحيح والاتحاد على هدف واحد. فمشاركة كل
منا أساسية للوصول إلى هذا الهدف؛ لأن كل عقل يفرق!
أولًا: البحث العلمي مهارة فطرية- فأنت تمارسها منذ وقت طويل جدًا!
نعم الإنسان بفطرته يستخدم خطوات البحث العلمي منذ
نعومة أظافره.
معروف عن الأطفال الصغار كثرة ملاحظاتهم. وهنا تبدأ
سلسلة من الأحداث قريبة جدًا من الخطوات العلمية للبحث:
·
يلاحظ الصغر شيئًا
ما (كقطعة طعام مثلًا)، ثم
·
يضع افتراضية عنه (ربما
طعام جيد الطعم)، ثم
·
يختبر ويجرب هذه
الفرضية (بأن يتذوق الطعام من خلال الأداة المخصصة لذلك: اللسان)، ثم
·
يحصل على نتائج
التجربة ويحللها أثناء المضغ والتذوق، ثم
·
يصدر تقريرًا عن
النتائج (يظهر في شكل انزعاج من تذوق الطعام إذا كان سيئًا أو انسجام وسرور إذا
كان حلو المذاق)، ثم
·
يدعو آخرين لتكرار
التجربة وإعادة إصدار النتائج (حيث يدعو من حوله من الأطفال لتذوق قطعة الطعام)
ثانيا: البحث العلمي مهارة تستخدم على نطاق واسع.
كل المجالات تقريبًا تستخدم الأسلوب العلمي، فتبدأ
بـسؤال وبعدها يتحول إلى مفهوم ثم تبحث عما قام به الآخرون من قبل لإجابة هذا
السؤال، وتبدأ في وضع افتراضات وتوقعات، ثم مرحلة إجراء التجارب في المعمل، وفي
النهاية تحدد ما إذا كانت التجربة ستقودك في هذا الاتجاه أو ذاك، في محاولة للتوصل
إلى استنتاج أو تعميم أو نظرية.
ثالثا: البحث العلمي مهارة يمكن تعلمها.
يجب أن تعلم أيضًا أن البحث العلمي أو الأسلوب العلمي
عبارة عن مهارة من بين عدة مهارات. ولهذا يمكن أن تتعلمها ولن يتميز عنك أحد على
الإطلاق بطريقة لتعلم البحث العلمي غر متاحة لك. فعليك أن تدرك هذا الأمر جيدًا
وأن تشكل هذه الحقيقة دافعًا لك.
رابعًا: في مجال البحث العلمي المنافسة شرسة، لذا ابدأ فورا.
المنافسة شرسة جدًا خاصة في وقتنا الحالي. وهذا بالطبع
لا ينفي كونها منافسة قوية على الدوام، وهو بالمناسبة أمر جيّد يبعث على النشاط!
المهم أن عليك أن تبدأ منذ اللحظة في استخدام الطرق
العلمية في التفكر، بصرف النظر عن مرحلتك العمرية أو التعليمية. ومن شأن ذلك مع
المزيد من الاطلاع والعمل الدؤوب أن يجعلك في مقدمة الصفوف.
خامسًا: لتكون باحثًا متميزًا، استمر في صقل مهاراتك وابتغِ الوصول
للحكمة.
لنوضح ذلك دعنا نتأمل قليلًا محركات البحث على
الإنترنت. وأنت تبحث في محرك جوجل مثلُا هل تساءلت عن مدى عبقرية ذلك المحرك وأنك
عادة ما تجد ما تريد معرفته في أول صفحة بعد البحث عنه. لقد بلغت تلك المحركات من
الدقة ما جعل من النادر أن نحتاج في بحثنا أن نذهب للصفحة الثانية في نتائج البحث.
لدرجة أن هناك مثلًا في الولايات المتحدة يقول ما معناه «إذا أردت أن تدفن قتيلًا
فقم بذلك في الصفحة الثانية من جوجل.»
ورغم هذه النتيجة المبهرة، إلا أن تلك المحركات لا تزال
بحاجة إلى تطوير مستمر، ولعل الشكل أدناه – يسميه البعض هرم الحكمة - يوضح لك أن
التطوير المستقبلي غرضه أن يصل محرك البحث القادم إلى الحكمة.
هذا الشكل الهرمي يعبر عن عمليات البحث التي تحدث من
خلال محركات البحث. ولو أمعنت النظر ستجد أنه نفس المسار الذي تمر به أنت أيضًا
كباحث. ففي البداية يكون لديك الكثر من « البيانات الأولية » ، وكلما ارتقيت
صعودًا في الهرم يزداد فهمك لهذه البيانات والسياق الذي تجمع فيه هذه البيانات
يضيق ويتحدد بجزء معين.
في نقطة البداية، تحصل على «بيانات أولية» مبعثرة
وحجمها ضخم نوعًا ما، وعندما تتعمق في فهمها قليلًا وتجمع الأجزاء من هنا وهناك
تتحول إلى معلومات، وهذه المعلومات تتفاعل بها ومعها وتبدأ في تحويلها إلى
«معرفة». ثم تبدأ في جمع أجزاء المعرفة التي وصلت لها لتشكل استنتاجًا يحتاج
المزيد من التأمل والتعديل لتصل إلى الحكمة التي قد تتمثل في ابتكار أو إبداع أو
نظرية ينتفع بها الجميع .
اعتبر نفسك إذًا كمحرك بحث وستجد أنه بصقل مهارتك سيسهل
عليك الوصول إلى الحكمة بعد عدة محاولات وبهمة عالية .
سادسًا: لكي تنجح في مجال البحث العلمي عليك أن تكون مبدعًا، متعاوًنًا،
وذا أخلاقيات عالية.
يجب أن تعرف أن النجاح في البحث العلمي والحياة عموًمًا
مرتبط بثلاثة أمور رئيسية يجب أن تضعها نصب عينيك.
1. الإبداع: فنجاحك مرتبط بمقدار الطاقة الإبداعية
لديك. ولهذا يجب أن تهتم بتنمية هذا الجانب وتتعلم كيف تصبح مبدعًا في كافة جوانب
عملك. الإبداع كذلك هو الممر الذي يربط بين البحث واستخدام الناس له وتطبيقاته
العملية التي تقدمها ريادة الأعمال.
2. التعاون: أن يكون لديك استعداد للتعاون مع كل
الناس بغض النظر عن انتمائهم أو جنسياتهم أو أيٍ من هذه الأمور طالما اشتركتم في
الهدف البحثي.
3. الخُلق: أن يكون لديك دائمًا أخلاقيات متميزة
عموًمًا وبالأخص ما يخص التعامل مع الناس والأمانة العلمية.
هذه الأمور الثلاثة مجتمعة ستمكنك من أن تصبح شخصًا
ناجحًا في الحياة عموًمًا وفي مسار البحث العلمي على وجه الخصوص. ولعل المحطة
الرابعة تُلقي المزيد من التفصيل.
سابعًا: ما زلنا موجودين على خريطة البحث العلمي، لكننا بحاجة إلى
التوجيه والتوحد حول أهداف محددة.
قبل استكمال القراءة وجب التنويه عن أن بعض الإحصائيات
أدناه هي من أعوام سابقة وقد استعنا بها في مساق أساسيات البحث العلمي، ويمكن
للقارئ تحديث معلوماته من خلال البحث عن نفس الإحصائيات زمن قراءة هذا الكتاب .
تتواجد مصر وبعض الدول العربية على خريطة البحث العلمي
عالميًا، لكننا ينقصنا نوع من التوجيه والتوحد حول أهداف معينة تمكننا من حصاد
موقع أكثر تقدمًا على هذه الخريطة .
الشكل التالي يوضح أعلى 40
دولة في نشر الأوراق البحثية في العالم لعام 2011.
وكما هو موضح، مصر من الدول المتواجدة ضمن مجموعة الشرق الأوسط وإفريقيا.
الأعمدة العرضية في الأسفل تمثل الدول ذات المعدل
الأكثر زيادة في العام الحالي مقارنة بالعام السابق.
في هذا المثال مقارنة بين عامي 2010
و2011، ونجد فيها أن إيران من أكثر الدول نموًا
وبعدها الصين ثم تأتي إسبانيا والهند وكوريا الجنوبية. تغر الوضع قليلًا بحسب
الشكل أدناه لعام 2012، في خريطة 2012
نجد مصر أيضًا متواجدة، وهذا يشر إلى وجود موارد لدينا وأفراد على أهبة الاستعداد
للعمل، ولكن نلاحظ أيضا ظهور دولة جديدة في هذه الخريطة وهي السعودية، مما يعد
طفرة هامة للغاية؛ فقد تصدرت السعودية معدلات الزيادة في الإنتاج العلمي على مستوى
العالم بين عامي 2011 و2102.
نقطة
أخرى مهمة في هذه الخريطة وهو المربع باللون الازرق الفاتح، الذي يمثل الأوراق
البحثية ذات معامل التأثر العالي ، التي حصلت على عدد كبر من الاقتباسات العلمية ،
فهي فعلا على درجة عالية من الأهمية لتجعل الباحثين الآخرين يستخدمونها ويبنون
عليها عملهم.
ثامنًا: لدينا بعض الموارد والقدرات الجيدة.
مصر والمنطقة العربية بشكل عام لديها كمية كبرة جدًا من
الموارد والقدرات، لكنها بحاجة إلى التعريف بها وتسليط الضوء عليها بشكل يزيد من
التوعية العامة بها. هناك أيضًا العديد من التقارير والدوريات المتميزة لمن يرغب
في الاطلاع على النواحي المختلفة في الاقتصاد والتعليم والمورد البشري وغرها من
المعلومات الهامة. ما يهم معرفته هنا أن الموارد موجودة بالفعل. من ضمن هذه
الموارد أن مصر دولة رئيسية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال التعاون
في الأبحاث العلمية. ستجد أدناه بعض الأرقام من عدة مصادر لعل أهمها تقرير «العلوم
والابتكار في مصر» الذي قامت به الجمعية الملكية بالتعاون مع جهات أخرى.
في الجدول أدناه يمكنك التعرف على أكثر عشرين دولة
تتعاون معها مصر علميًا وخاصة في نشر وعمل أبحاث مشتركة. والتعاون دلالة جيدة على
وجود قدرات بشرية متميزة حتى وإن كانت الإمكانات متواضعة. طبعًا يهمنا زيادة هذا
العدد وعمل طفرة كمية وكيفية فيه.
أشاد التقرير كذلك أيضًا بمجال الرياضيات، فالأوراق
البحثية التي تخرج من مصر في مجالات الرياضيات التطبيقية والنظرية تتخطى المتوسط
العالمي للاقتباسات العلمية في هذا المجال وهذا يدل على مستوى جيد جدًا من العلم
يقدم في مصر.
ثم يشر التقرير
لتميز مصر بما تمتلكه من الموارد الطبيعية مثل الرياح والشمس بشكل كبر،
خاصةً وأنه من المتوقع أن يؤدي استخدامهما بالشكل الأمثل إلى طفرة كبرة في مجال
الطاقة المتجددة.
تاسعًا: لدينا ثروة بشرية شابة مبهرة.
نحن كأمة بشكل عام أمة شابة، وبيننا عدد كبر من الشباب
مما يعد علامة جيدة جدًا مقارنة بدول كثرة.
في
مصر تحديدًا تقريبًا 55% من السكان يقل
عمرهم عن 25 عامًا، مما يعد مصدر قوة كبر جدًا لو تم
استغلاله بالشكل الأمثل.
وحتى
وإن لم يتم استغلال هذا المورد على مستوى المجتمع فيجب أن تحاول استغلاله بشكل
شخصي على أكمل وجه إذا كنت في هذا السن أو أقل من الثلاثين أو حتى الأربعين.
على صعيد آخر توضح الخريطة
أعلاه عدد الباحثين بين كل مليون مواطن في كل بلاد العالم، ونجد أنه كلما خفّت
درجة اللون البنفسجي، كان العدد أقل، وكلما اشتدت كان العدد أكبر .
تقع مصر في منطقة اللون البنفسجي الفاتح، وهدفنا بالطبع
الانتقال من منطقة اللون البنفسجي الفاتح إلى منطقة اللون البنفسجي الداكن.
كل
ما تحدثنا عنه حتى الآن، وما ذكرناه من معلومات تعطي مؤشرًا أن أمامنا مستقبل مشرق
جدًا إذا ما تم تفعيل تلك الموارد، لعل البداية تتطلب منا تفعيل هذه الموارد على
المستوى الفردي أولًا، قبل أن نتناول دور المجتمع الذي لا ينفي إطلاقًا - مهما كان
كبرًا – أن تدرك دورك كفرد. كل ما نحتاج إليه كشباب هو الوقت والالتزام. نحتاج إلى
توفر الوقت، واستغلاله في تغير أنفسنا، وتعلم كل ما يفيدنا في تحقيق طموحاتنا؛
سواءً على المستوى الشخصي ،أو المستوى المجتمعي أو الدولة ككل.
عاشرًا: كل عقل يصنع فارقًا «لأن كل عقل يفرق!»
يجب أن تؤمن بها كباحث وكإنسان بشكل عام أن تؤمن بأن كل
عقل يفرق، هذا هو الشعار الرئيسي لمؤسسة علماء مصر. لأن مشاركتك وعملك وعلمك بغض
النظر عن سنك أو جنسك أو لونك أو ديانتك أو كونك من ذوي الاحتياجات الخاصة أو
حالتك الاجتماعية أو المادية أو مكان إقامتك في منتهى الأهمية، ويمكن أن تصنع
الفرق في بناء الوطن، الذي نحلم أن يكون مركزًا صناعيًا وعلميًا وحضارًيًا يخدم
شعبه وشعوب العالم أجمع.
فلابد إذًا أن نتفق جميعًا أنه لتحقيق هذا الحلم، ولأن
كل منا بإمكانه إحداث الفرق فكل فرد منا سيكون عليه دور يجب أن يفهمه ويؤديه.
حاول أن تعمل جاهدًا وأن تستمر في البحث عن منطقة الشغف
الخاصة بك، وتبي خطتك متمركزًا حولها. وإذا لم تعرف بعد مصدر الشغف الخاص بك فعليك
أن تجرب العديد من المجالات في محاولة للتعلم واكتشاف المجال الذي تحبه فعلًا
وتستطيع من خلاله أن تساهم في تقدم وتطوير البشرية بشكل عام.
والآن وبعد اطلاعك على النقاط العشرة السابقة ،ما هو
دورك الشخصي لإحداث نهضة في دورة بناء بيئة أصيلة للبحث العلمي؟
المصادر
1.
أشرف حسين محروس، قاعة
بحث: دراسة تطبيقية، كلية الآداب - جامعة المنوفية، شبين الكوم، 2008.
2.
أحمد شلبي، كيف تكتب
بحثاً أو رسالة: دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراة، مكتبة
النهضة المصرية، القاهرة، 1976.
3.
عبد الرحمن بدوي، مناهج
البحث العلمي، وكالة محاضرات في مناهج البحث والمكتبات، وكالة المطبوعات، الكويت،
1977.
4.
دليل فراسكاتي: الممارسة
القياسية المقترحة للدراسات الاستقصائية للبحث والتنمية التجريبية، الطبعةالسادسة).
27 مايو 2012 نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
5.
الحيزان،محمد عبدالعزيز.البحوث
الاعلامية.الرياض،1431
6.
ج. سكوت أرمسترونغ
وسولبرغ الأقران (1968). "في تفسير عامل تحليل". نشرة العلوم النفسية
70: 361-364
7.
تروخم، و.م.ك. مجموعة
معرفة أساليب البحث (2006)
8.
كريسويل، ج.و.
(2008). البحث التربوي: التخطيط والإدارة، تقييم والبحث الكمي والنوعي (3). أبر سادل
ريفر، نيو جيرسي: برنتس هول. 2008 ISBN 0-13-613550-1 (صفحات 8-9)
تعليقات
إرسال تعليق